الجمعة، 28 نوفمبر 2014

صباح لا تموت

صباح لا تموت. هذه إشاعة جديدة في سلسة الإشاعات التي لا تنتهي، أو ربما تكون هذه بالفعل أخر الإشاعات. صباح ميتموتشي .. هذه إشاعة مثلها مثل كل ما سبقها من الإشاعات، ولكن لم يطلقها هذه المرة المغرضون أو الحاقدون أو المتسلون بأخبار أهل الفن ومصائبهم يتناسون بأكاذيبهم خوائهم أو يأسهم، الإشاعة أطلقتها صباح بنفسها وعلى نفسها.. هي من يدعي الموت

من منا لا يحب أن يكون صباح ؟..

لموالها خشعت الآذان وفي حضرة جمالها طارت القلوب وراحت العقول، فُرشت لها الأرض حرير، ترامت قبلات العشاق على قدميها، لمع صدرها ذهباً وماساً ونعم قدها بأعاجيب الفساتين وكأنها شهرزاد الحواديت، شربت من النور وشهدت ألف مجد ومجد، عاشت ورأت وأحبت ثم ملت، تعبت، سكتت عن الكلام المباح والغير مباح، أدعت الموت الذي كرهته ونامت..

صباح لا تموت، لو كانت صباح تموت لصار كل شيء جائز، قد تغادر الكواكب مداراتها، قد تنطفىء النجوم، قد يصبح للسلم الموسيقي ثلاثة نغمات فقط، قد لا تصبح باريس مدينة الحب، أو يأتي الصيف بلا ليال دافئة ،قد يبكي القمر، قد لا يطلع الصباح..


المرة الأولى التي رأيت فيها صباح كانت على غلاف إحدى أعداد مجلة الموعد اللبنانية التي كان يرأس تحريرها بديع سرابيه، أظن أن العدد قد صدر عام ١٩٨٢ واحتفظت به أمي هو وأعداد أخرى  لسنوات عديدة، لفتت صورة صباح انتباه الطفل الذي كنت، فراشة متلونة شقراء كالشمس يتدلى شعرها إلى صدرها في تموجات لا تنتهي يجلس فوق رأسها تاج لامع وعلى وجهها ابتسامة نضرة فرحة لا تملك حين تراها إلا ردها ولو في الخفاء

داخل العدد كانت هناك صور أخرى لها بفساتين عدة متنوعة الألوان والتصاميم، الجيب ذات الوسط الساقط، الفساتين الطويلة المنفوشة، بدلة جلد النمر، هذا غير المجوهرات والأكسسوارات، عالم مبهر الأشكال والألوان..

 لم أكن أعرف أن تلك الفراشة المبتسمة هي صاحبة الأغنية التي لطالما غنتها لي أمي .. أكلك منين يا بطة أكلك منين.. في فراولتين في شفايفك حلوين حلوين، صحيح أن الأغنية في الأساس لبنت لا لولد، ولكن ذلك عند أمي سواء، فأنا "بطتها"، بل وأمورتها الحلوة أيضا. 

ثم تبين لي أن خالاتي وأمي في نميمتهم يذكرن اسم صباح بين الحين والحين، يتغامزن ويلمزن، يصفنها بالمتصابية، يحسدنها على جمالها وعلى وسامة زوجها الشاب (فادي لبنان)، يشهدن لها في الوقت ذاته بعظمة الصوت وخفة الدم، يتغنين بابن الحلال ويانا يانا وألو بيروت وهنا القاهرة بلاءلاء ويادلع دلع ،يحزن على حزنها ويفرحن مع فرحها في الأيدي الناعمة  وشارع الحب والرجل الثاني والمتمردة والعتبة الخضراء

لو كانت فيروز إله للعشق عند العرب، فإن صباح أسطورتهم الحية، هي التي أرادت أن تكون أسطورة وعاشت سنوات عمرها المديد بمقتضى هذه الإرادة، وقفت في وجه الزمان طامعة في الخلود، عاندها وعاندته، وحين ألحق بها الهزائم صمدت مكتفية بتاريخ من الانتصارات تُكتب فيه   القصص والملاحم ..

يخيل إلي أن صباح كانت هاجس لفنانين عاصروها، اختفوا من الساحة أو أخفاهم الخوف لطالما عجبوا صمودها، حباً لها تارة وحقداً عليها تارة أخرى وتارة ثالثة رفقة بها وبنفوسهم الضعيفة، ستظل صباح نفس الهاجس لفنانين جائوا بعدها وأخرين لم يجيئوا بعد، بل نفس الهاجس لسواهم من البشر، بل هاجس شخصي لي أنا أيضا ودرساً في الإيمان بالنفس وحب الحياة..

ستظل أم الشموش، أيه البهجة وبسمة الأمل..
Comments
0 Comments

0 التعليقات:

إرسال تعليق