الأربعاء، 30 أبريل 2014

حتى نخرج للنهار .. هالة لطفي في دور العرض المصرية

حتى نخرج للنهار..

هالة لطفي في دور العرض المصرية


سنوات عديدة كان على السينما المصرية إنتظارها منذ إنفراجة ما يعرف بالسينما المستقلة في  أوائل القرن الحالي قبل أن يخرج فيلم في نضوج "الخروج للنهار" لهالة لطفي .. سنوات كانت إحباطاتها أكبر من إنجازتها وأكبر من كل الوعود بسينما جديدة، شابة، تخلص للفن وحدة، تترفع عن السوق ومتطلبات الإنتاج المؤسسي الربحي وتنفر من نمطية المواضيع والأشكال .. 
فمن بين محاولات أخلصت النية في تقديم الجديد وعازها فقر الموهبة أو هزالة الإنتاج، وأخرى ظن أصحابها أنهم أنبياء يحملون رسالة السينما الجديدة فلم تكشف أعمالهم غير سطحيتهم، و في ظل أوضاع معيشية وسياسية تزداد سوءاً وإضطراباً وتؤثر سلباً على كل أشكال الإنتاج الفني في مصر، تواضعت الأمال المنعقدة وتضائلت التوقعات والبشائر وبات الإنتظار عبثاً إلى أن آذنت هالة لطفي للنهار بالخروج بفيلم سيقف أمامه مؤرخي السينما المصرية في المستقبل طويلاً ..

 منذ الدقائق الأولى الفيلم ندرك أن لمخرجته لغة سينمائية شديدة الخصوصية، لغة رصانتها وبرود إيقاعها يجعلها غريبة على المشاهد العربي، بل ربما أوقعته في أزمة تلقي تؤول فيها كل توقعاته لمسار الدراما إلى لفشل، ويبقى الفيلم بلا حدث حقيقي، مخلصا لإيقاعه ولأسلوب مخرجته ..
 تمر الدقائق في رتابة حياة أبطال الفيلم الثلاثة، أب عاجز وأم قهرها القدر فاستلسمت له في قوة ورضا، وابنة ضائعة تعيش أحلامهاً في استيحاء، رغم قسوة الواقع وظلام المستقبل.. أبطال هالة لطفي إناساً في الظل، يعيشون خلف كواليس الثورات والإنقلابات ومسارح التوك الشو الهزلية، أناساً وجودهم على الهامش، تتكشف معاناته في دقة التفاصيل وبساطة الدراما، بعيداً عن النمطيات الصاخبة والشعارات الرنانة ..


ربما تسائل الجمهور الغربي الذي شاهد الفيلم وكان يعرف مصر بأهراماتها وبحرها الأحمر ثم بات يعرفها من صور التظاهرات وقتلى الميادين وقصص التحرش الجنسي، أين "الثورة" ؟، كيف يكون هناك فيلم مصري لا يكون موضوعه الثورة، القتلى، الإسلاميين، الكبت الفكري والجنسي، كيف لا تكون فيه "مصر" التي يعرفها من نشرات الاخبار وعنواين الصحف ؟ .. 
أعرف أن هالة لطفي لم تتعمد أن يخرج فيلمها ويسافر مهرجانات عديدة  في توقيت تهاتف فيه من يهتم بالسينما ومن لا يهتم بها علي كل ما هو مصري، ليس لأن لمصريته قيمة في ذاتها ولكن لأنه لكونه مصريا الأن فسيحتوي ولابد على مادة مثيرة لها سوق إعلامي مفتوح في الغرب، فيلم هالة لطفي يأتي ضد التيار، ضد إرادة الأسواق وحماس المهرجانات الزائف، يأتي ليثبت وجوده بالفن وحدة بلا إتجار بثورة أو خلافه، حتي الألم الذي تقطر به مشاهده يتعالى صدقه على مشاعر الرثاء ..


بعد طول انتظار يخرج نهار هالة لطفي في مصر، تفتح له دور العرض أبوابها ليثبت وجوده في بلده أيضاً وبالفن وحده، ،لا كفيلماً للمهرجانات أو هواة المراكز الثقافية، بل فيلما للجميع، لكل محب للسينما الجادة التي لا تعرف مصطلحات ك "المستقلة" أو "النظيفة" ولا تتكلم غير لغة الفن الجميل. فأرجو أن يكون الإقبال عليه بقدر رقة لغته وصدق مخرجته الموهوبة، أرجو أن يكون بشرى خير على الفن المصري، يخرج به ونخرج معه إلى النهار..