الخميس، 29 يوليو 2010

" ليلة الإفتتاح " أو Opening Night لجون كسافيتاس : حتي النجوم تشيخ !



Opening Night
إنتاج : ١٩٧٧- الولايات المتحدة الأمريكية
إخراج : جون كسافيتس
بطولة : جينا رونالدز - بن جازارا Ben Gazzara - جون كسافيتاس - جوين بلونديل Joan Blondell
الجوائز : الدب الفضي في مهرجان برلين ١٩٧٧ أحسن ممثلة
مدة الفيلم : ١٤٤ دقيقة







في عام ١٩٧٤ قدم " جون كسافيتس " John Cassavetas فيلمه الشهير " إمرآة تحت ضغط " A woman under Influence من بطولة زوجته في ذلك الوقت النجمة " جينا رونالدز " Gena Rownlads التي لعبت فيه أفضل أدوراها، عن المعاناة النفسية لإمرآة و أم في منتصف العمر تتصاعد أزمتها لتلقي بها إلي حافة الجنون. و هو من أفضل الأفلام في تاريخ السينما رغم أنه لم يلقى من النقاد العناية التي يستحقها. و بعد نجاح التجربة كان موعدنا مع الفيلم التالي الذي كتبه "كسافيتاس " كذلك و منح دور البطولة لنجمته المتألقة "رونالدز " و تكون قصة "Opening Night " أيضا عن إمرآة معذبة، و لكن عذابها هذه المرة ليس جنونا،إنما أزمة منتصف العمر أو ما يسمى بسن اليآس و هواجسه التي لا ترحم أي أمرآة تبلغه. فما بالنا بنجمة ، عاشت في الأضواء و بالأضواء و اعتادت تصفيق الجمهور و وولهه بها .. ما بالنا بمخاوف انحسار الشهرة و انسحاب بساط النجاح ؟!

بطلتنا هي " ميرتل جوردون " نجمة مسرحية مرموقة، شقراء لا تفارق السيجارة و الكأس و لا نظارتها ذات العيون الكبيرة السوداء، حالة تشبه نجمات الأبيض و الأسود أو نجمات الأوبرا أو المسرح الأسطوريات. و يبدو لنا من اللحظات الأولى أنها تتمتع بقمة النجاح والشهرة. فجمهورها ألوفا مؤلفة تهتف إعجابا بها و تتدافع لنيل توقيع منها.
و بعد نهاية إحدي عروضها تغادر المسرح لتتناول العشاء مع فريق العمل فتندفع تجاه سيارتها إحدي المعجبات المتيمات بها، فتاة صغيرة لا نرى ملامحها بوضوح و لكننا نعرف أنها في السابعة عشر من عمرها .. " أحبك .. أحبك .. أنا متيمة بك " تهتف بها في حالة شبه هيسترية قبل أن تدهمها سيارة مسرعة و ترديها قتيلة ( بداية شبيها ببداية فيلم " كل شيء عن أمي " Todo sobre mi madra لألمادوفار ).
و تكون هذه الحادثة هي القشة التي قسمت ظهر البعير. فعلى أثرها تبدأ أزمة "ميرتل " مع نفسها و مهنتها كممثلة و مع دورها في المسرحية التي تلعبها مؤخرا، دور إمرآة في نهاية عقدها الرابع( كانت"جينا رونالدز" وقتها في ال٤٧ من عمرها ) يرعبها الزمن الزاحف عليها مسرعا و يؤلمها فشلها في الحب و مصير إمرآة وحيدة علي موعد مع الذبول بلا عشيق و لا أسرة. لا تستطيع "ميرتل " أن تجد سبيلا لتمثل دورها علي وجه مرضي ، تطاردها الهواجس و يختلط الوهم بالحقيقة ، تعذبها شخصيتها الجديدة فلا تستطيع التفريق بين دورها فوق المسرح و دورها في الحياة ، لا تستطيع أن تتعرف على نفسها، و هو أمر ليس باليسير على من قضي عمره يلعب أدورا ليست له.

في إحدي البروفات يكون من المفروض أن تتلقى " ميرتل " صفعة، فتسقط علي أثرها أرضا و تصرخ في ألم و يصفق المنتج في البداية بعد أن أوحى له الأمر في بدايته أن "ميرتل" قد اندمجت في دورها و أدت اللحظة الدرامية في إجادة تامة. و لكن يتضح بعد ذلك أن ميرتل فقدت في هذه اللحظة السيطرة علي نفسها و أن الصفعة - التي لم تكن جادة و لا مؤلمة - قد هوت بها فانهارت فوق الأرض و انهار معها الحاجز الفاصل بين شخصيتها و بين "فرجينيا" التي تلعبها.
و في حوار تلا ذلك الحادث تحاول المؤلفة أن تشرح الشخصية لميرتل لتساعدها علي أدائها ..
- " آنها مثلي و مثلك .. أمرآة تريد أن تحب و لكن الوقت قد تأخر .. لابد و إنك تعرفين هذا الشعور جيدا ... ميرتل .. قولي لي كم عمرك ؟! ".

لا تستلم "مرتل " لتساؤل المخرجة الخبيث و ملا حظتها الذكية .. و لا تجيب .. لا تجيب هذا السؤال رغم تكراره طوال الفيلم ، رافضه الإعتراف بالزمن و الإستسلام و رافضه الإندماج في شخصية تضعها في مواجهة مع نفسها و أداء نصا يكشف لها قسوة الحقيقة، و قبل أن يسلب منها الدور قناعتها تعاتب المؤلفة في مقاومة من يعرف أنه قد سقط و تسألها " ... "و ماذا عن الأمل ؟! ".

يتصاعد الصراع داخل "ميرتل " و يزداد ألمها و يتجسد لها شبابها الفائت في صورة الفتاة المقتولة، فتطاردها كابوسا يعذبها في يقظتها، يؤنبها و يجبرها على مواجهة حقيقة قطار العمر المقبل مسرعا مهددا مستقبلها كفنانة و كإنسانة لم تعيش عاطفتها كأمرآة و لم تعرف الحب الحقيقي ، و جاء إدراكها لذلك متأخرا أو في الوقت الضائع.

و إذا كانت "ثيمة" " إمرآة تحت ضغط " هي عذاب "مابل" التي فقدت الخيط بين العقل و الجنون و صارت ضائعة بين العالمين،لا راحة لها في أيي منهما. فإن إضطراب "مارتل" النفسي هنا ، مؤقت، عارض، أو هي علي الأقل تعتبره كذلك و تعلله بصعوبة الدور و الظروف الصعبة التي مرت بها بعد مقتل الفتاة. و هي و إن حافظت علي هذا الخيط فقد فقدت خيطا أخر ، ألا و هو ذلك الذي يفصل الواقع و الخيال، الحياة و المسرح ، "مرتل" و "فرجينيا" . إن الفيلم هو قصة محنتها حين اختلطت عليها الصور و اتحد العالمين، حين قفدت المقدرة علي التمييز بينهما و استرداد ذاتها.

استطاعت حركات الكاميرا القلقة التي تعطيك الشعور و للوهلة الأولي أنها تتحرك بإرتجالية طليقة و لكنها بليغة، أن تنقل لنا احساسيس "مرتل" المهتزة و أجواء التوتر التي تعيش فيها ( مدير التصوير في كلا الفيليمن هو Al Ruban الذي عمل أيضا كمدير إنتاج للعديد من أفلام جون كسافيتاس).
استطاع "كاسفيتاس "أن يخلق جوا مسرحيا بلقطات طويلة ثابتة ليس فقط في المشاهد التي صورت فوق خشبة المسرح. فغرفة "مرتل" في الفندق بديكورها المسرحي و اتساعها الهائل تشبه خشبة المسرح و تؤكد علي الخلط الواقع في حياتها بين العالمين ، و نحن نراها في غرفتها كما نراها فوق المسرح ، في لقطات طويلة ثابته، فحتي عالمها الخاص أصبح ملكا لجمهورها. هذا غير القطعات المونتاجيه المفاجأه و استخدام المرايا و عناصر أخري وظفت بشكل أو بأخر لتأكيد إنسياب العالمين و اشتباكهما.
يتنهي الفيلم نهاية يمكن أن نصفها بالسعيدة، مع أنها لا تقدم حلا و لا تجيب سؤالا. و لا نعرف هل اتنهت معاناة "ميرتل " أم أنها ستستمر و تتطور .. فيليوم العرض الأول بنيويورك، تأتي "مرتل" إلي المسرح في حالة مزرية، ثملة إلي الحد الذي لا يجعلها قادرة علي الوقوف، و لكن مخرج العرض الذي لاطالما وثق في قدراتها و أصر علي أن تلعب هي الدور رغم ما مرت به من أزمات، يتركها تسقط ثم تقف لتسقط مرة أخري و هكذا حتي تصل إلي المسرح ، تخرج للجمهور و تلعب دورها محاولة أن تتماسك بقدر ما تستطيع حتي تتغلب علي سكرها و تنطلق في أدائها و كأن عالم "ميرتل " الحقيقي ، هي المسرح، و هي إن كانت قد فشلت في العثور علي ذاتها في الحياة، فقد عثرت علي شخصية دورها فوق المسرح في أصعب الظروف و رغم الألم و الثمالة.
من دون "جينا رونالدز " لربما كان الفيلم فيلم أخر ، ليس بهذه الروعة و المصداقية. فأدائها كان مفتاح النجاح الذي توج بدب مهرجان برلين الفضي لأحسن ممثلة .