الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

"الجلد الذي أعيش فيه" لألمادوفار.. بيجماليون الأندلسي!






الفيلم : الجلد الذي أعيش فية la piel que Habito
إخراج : بيدرو ألمادوفار Pedro Almodovar
إنتاج : 2011
بطولة : أنطونيو بانديراس Antonio Banderas
إلينا آنايا Elena Anaya
ماريسا بارديث Marisa Parede

جان كورنه Jan Cornet
موسيقي: ألبرتو إيجلاسياس Albert Iglesias
مهرجان كان السينمائي الدولي 2011 المسابقة الرسمية


تروي لنا الأساطير الإغريقية قصة نحات إغريقي بارع ،" بيجماليون" الذي صنع تمثالاً لإمرأة فائقة الجمال. فلما انتهى سر لها نظره مختلباً و هام قلبه بها حباً. فجاء "فينوس" راجياً على هيكل معبدها يدعوها أن تنفخ الروح في صنيعه، ففعلت، و دبت الحياة في تمثاله ليصير إمرأة فاتنه، عشقها و تزوجها
و في أحدث أفلام المخرج الأسباني " بدرو ألمادوقار " " الجلد الذي أعيش فيه " يصنع طبيب التجميل "روبرتو (أنطونيو بنداريس) قطعته الفنية الخاصة كذلك. "فيرا" ( إلينا آنايا)، و لكنه لا يصنعها من العاج كما في الأسطوره ، "ففيرا" الفاتنة متفجرة الأنوثه هي في الأصل شاب يدعي "فينسنت" (جان كورنه) اختطفه الطبيبب إنتقاماً منه لظنه أنه إغتصب إبنته المريضة ثم حوله رغمآً عنه إلى أنثى، على صورة زوجته التي ماتت متأثرة بجراحها بعد أن احترقت السيارة التي كانت قد قلتها هي و عشيقها!
مرة أخرى يأخذنا ألمادوفار إلي مناطقه الشائكة، شبكة معقدة لعلاقات إنسانية تتفكك في تفاعلها الهويات الثابتة و يتجرد في خضمها الإنسان من إرث العقلانية و بديهايات الأخلاق و الجنس، ليعاد تعريفة علي أسس غير معتاده ، يكمن منطقها في تنافيبها مع ما اعتدناه على أنه المنطق و ما اعتبرناه خلقي. يتجاوز " ألمادوفار" في فيلمه الأخير موضوعات العلاقات المثلية و المتحولين جنسياً، أو يسير بها إلى بعد جديد أكثر عمقا متسألاً عن جوهر الإنسان ذاته، عن ما يبقى منه إذا ما تبدلت هويته .
"روبرت" فنان عبقري كبيجماليون، ساحر لا يعرف طموحه حداً كفاوست ، و في الوقت نفسه إنسان معذب تطاردة ذكرى زوجته المحترقة ، تطاردة خيانته له مع أخوه الغير الشرعي، يطارده فشله في علاجها لما احترقت و ألآم إبنته التي ماتت إمها ممسوخة أمام عينيها ،فسقط عقلها فريسة للمرض. قرر "روبرت" أن يطلق لعبقريته العنان، أن يعيد خلق الزمان ليدور بأبطاله من جديد في فلكه الخاص و فوق مسرحه هو ، و هذه المرة من دون إخفاقات. فيعيد زوجته للحياة في صورة "فيرا" ، بل و يقتل عشيق زوجته على الفراش أثناء إغتصابه لفيرا ، فكأن القدر ينساق مجبراً و نادماً لرغبتة و عبقريته. و لكن نهاية
روبرت" ليست سعيدة كنهاية "بيجماليون " ، بل يتشابه مصيره
في النهاية و مصير "فراكنشتين" الطموح الذي حلم بأن يخلق إنساناً ،فخلق مسخآ قتل أخاه ثم تسبب في مقتله هو. "ففيرا/ فينست" تقتله إنتقاماً منه، رافضة الإنصياع لهويتها الأنثوية
الزائفة حتى لو كانت ستجعل منها أجمل نساء الأرض. ففيرا في نظر "فينست" ما هي إلا مسخاً له يبغضه في أعماقه حتي بعد أن قرر التعايش معه.
قصة قاسية، و تيمة ربما تصلح أساس لفيلم رعب، عبقرية السرد الألمادوفاري تجعل منها دراما لها عبق التراجيديا الإغريقية تضفي عليها موسيقي " ألبرتو إيجلاسياس" الرائعة هيبة إسطورية، أنزلها إستغراقها في التفاصيل من الأولب و أنسنتها نعومة الكاميرا التي بدت " أنثوية" في حركتها، و كادرات ثرية في تكويناتها و ألوانها، و ملابس صممها ملك الموضة الفرنسي " جون باول جوتيه" ، وامتصت الأجواء الأندلسية الحميمة التي إعتدنا عليها في كل أفلام ألمادوفار عنف الفكره. فالبرغم من عالمية ألمادوفار كواحد من أهم مخرجي السينما الأوروبية اليوم ، برغم عالمية موضوعاته، يبقي فيلمه أسبانيا في كل تفصيلات جمالياته.