الثلاثاء، 12 مايو 2015

العار Shame لستيف ماكوين .. الخلاص في الجنس

يبتلعك المكان، يستعبدك، يسلب منك وجودك، يدمجه في زحامه، يضبطه على إيقاعه، يدرجه في قوالبه الصارمة وحين لا يلوح لك سبيل للخلاص قد تبحث عنه في أعماق نفسك، في أكثر أنفاقها ظلاماً وأرجائها جهالة، في الجنس، في عوالم اللذة السحيقة .. 
هذا هو ما يحدث لبراندون (مايكل فاسبيندر) في أفضل أفلام الأمريكي ستيف ماكوين Shame أو العار، فحياته المنتظمة الباردة لها جانب مظلم سرعان ما نتعرف عليه في دقائق الفيلم الأولى، إدمانة للمجلات والأفلام الإباحية، للتسوق الجنسي والعلاقات العابرة مع المومسات..

 يبدو براندون وحيداً، لا حبيباً إلى جانبة ولا صديقاً يوده، يستنفزه العمل نهاراً وينكب على الجنس ليلاً، يبقى هادئاً ملتزماً بإيقاع حياته البارد، سارقاً من الليل ساعات قليلة للمتعة العابرة التي يفرغ فيها أحماله، يترك العنان لشهوته ويترك نفسه غائبة في دنياها التي تعفي العقل من ظنونه والقلب من مخاوفه. أما السعادة فهي شيء أخر. لم يعرفه براندون. بل يبدو أنه لا يعرف أصلاً كيف يمكن الشعور بها.


يخرج إيقاع حياته عن مداره حين تزوره أخته فجأة وتبقى في منزلة، هي أيضاً ضائعة، لم يحكي لنا الفيلم الكثير عن حياتها، نراها مكتئبة، هشة، مجروحة، سريعة البكاء والإهتياج ولا نعرف ما الذي وراء ذلك. نعرف فقط أنها في حاجة إليه وأن دخولها حياته قد قلبها رأساً على عقب. فمغامرات الليل الجنسية لم تعد ممكنة، لا زيارات العاهرات ولا حتى ممارسة العادة السرية أمام المقاطع الساخنة، حتى ذلك الحاجب الذي كان يفصل بين نهاره وليله، بين عمله وبيته، بين وظيفته ومغامراته، حتى هذا الحاجب قد سقط بعد أن دخلت أخته في علاقة عابرة مع مديره في العمل الذي يقضي معها ليلة في بيته.
 هنا يصل الفيلم بنا الى ذروته الدرامية في مشهد من أفضل ما قدمته السينما الأمريكية في سنواتها الأخيرة، حيث يعي براندون أنه صار عبد لشهوته، أنه عاجز عن معايشة من حوله، أن وحدته مع خيالته الجنسية هي كل ما يملك، يرتدي براندون ملابسه الرياضية وينطلق يجري في مساء المدينة التي ابتلعته على موسيقى prelude لباخ يعزفه جلين جولد ربما انطفئت نيران رغبته وهدأ روعه، ربما يأتي النهار التالي بأمل، بمخرج من الهاوية..


حين يدرك براندون مأساته، حين يحاول أن يحب، أن يقيم علاقة دعونا نسميها مجازاً بالسوية، يكون الجنس فيها وسيلة لا غاية، معبراً للإلتقاء الإنساني لا منفذاً للرغبة فحسب، يفشل. لقد حكم عليه بالضياع وأي محاولة في الهروب باتت بلا طائل، عندها يفتح لنفسه كل بوابات السقوط، يهبط إلى أسفل أدراج الهاوية، يلقي بنفسه في أعماق اللذة، مدفوعاً بشبق شيطاني لا يعرف وجل أو خجل، ولايبدو فيه حتى مجالاً لاختيار حر  ولا يشبع في ظمأه إلا بهلاكه …

ينتهي الفيلم بنهاية مأساوية، تنتحر الاخت في نفس الليلة التي يسلم فيها براندون نفسه لشبقة بلا مقاومة، ويقف هو وحيداً ومن خلفه المدينة الهائلة، يبكي هلاكه المحتوم وانسانيته المسلوبة وفي أذاننا أصداء أخر ما قالت له اخته: لسنا أشرار. نحن جئنا فقط من مكان شرير. 
Comments
0 Comments

0 التعليقات:

إرسال تعليق